.................................................................................................
______________________________________________________
عاجزا فيحتاج إلى أن يأكل مما سعى فيه غيره فتحدث فيه حرفتان خسيستان اللصوصية والكدية ، وللصوص أنواع ولهم حيل شتى في ذلك ، وأما التكدي فله أسباب مختلفة ، فمنهم من يطلب ذلك بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة ، وقد يكون بالأشعار مع النغمة أو غيرها في المدح ، أو التعشق أو غيرهما ، أو تسليم ما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والطلسمات ، وكأصحاب القرعة والفال والزجر من المنجمين ، ويدخل في هذا الجنس الوعاظ المتكدون على رؤوس المنابر.
فهذه هي أشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها وجرهم إلى ذلك كله الحاجة إلى القوت والكسوة ، ولكن نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومالهم ، فضلوا وتاهوا وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن كدرها زحمة أشغال الدنيا خيالات فاسدة ، وانقسمت مذاهبهم واختلفت آراؤهم على عدة أوجه.
فطائفة غلبت عليهم الجهل والغفلة فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم ، فقالوا المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجهد حتى نكسب القوت ثم نأكل حتى نقوى على الكسب ثم نكتسب حتى نأكل ، فيأكلون ليكسبوا ، ويكسبون ليأكلوا فهذه مذاهب المداحين والمتحرفين ومن ليس لهم تنعم في الدنيا ولا قدم في الدين.
وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا للأمر وهو أن ليس المقصود أن يشقي الإنسان ولا يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوات الدنيا وهي شهوة البطن والفرج ، فهؤلاء طائفة نسوا أنفسهم وصرفوا همتهم إلى اتباع النسوان وجمع لذائذ الأطعمة ، يأكلون كما تأكل الأنعام ويظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا غايات السعادات ، فيشغلهم ذلك عن الله واليوم الآخر.
وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكنز الكنوز ، فأسهروا ليلهم ونهارهم في الجمع ، فهم يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار ، يترددون