.................................................................................................
______________________________________________________
وأما تفاصيل أشغال الدنيا وكيفية حدوث الحاجة إليها وانجرار بعضها إلى بعض فمما يطول ذكرها وخارج عن مقصود كتابنا.
وإذا تأملت فيها علمت أن الإنسان لاضطراره إلى القوت والمسكن والملبس يحتاج إلى خمس صناعات ، وهي الفلاحة لتحصيل النبات ، والرعاية لحفظ الحيوانات واستنتاجها ، والاقتناص لتحصيل ما خلق الله من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب ، والحياكة للباس ، والبناء للمسكن ، ثم يحتاج بسبب ذلك إلى التجارة والحدادة والخرز أي إصلاح جلود الحيوانات وأجزائها ، ثم لبقاء النوع إلى المنكح ثم إلى حفظ الولد وتربيته ثم لاجتماعهم إلى قرية يجتمعون فيها ، ثم إلى قاض وحاكم يتحاكمون إليه ، ثم إلى جند يحرسهم عن الأعادي ثم إلى خراج يعان به الجند ثم إلى عمال وخزان لذلك ، ثم إلى ملك يدبرهم ، وأمير مطاع وقائد على كل طائفة منهم.
فانظر كيف ابتداء الأمر من حاجة القوت والمسكن والملبس وإلى ما ذا انتهى وهكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وينفتح منها بسببه عشرة أبواب أخر وهكذا يتناهى إلى حد غير محصور ، وكأنها هاوية لا نهاية لعمقها ، ومن وقع في مهواة منها سقط عنها إلى أخرى وهكذا على التوالي ، فهذه هي الحرف والصناعات ، ويتفرع عليها أيضا بناء الحوانيت والخانات للمتحرفة والتجار وجماعة يتجرون ويحملون الأمتعة من بلد إلى بلد ، ويتفرع عليها الكراية والإجارة ، ثم يحدث بسبب البيوع والإجارات وأمثالها الحاجة إلى النقدين لتقع المعاملة بهما فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ، ثم مست الحاجة إلى الضرب والنقش والتقدير فحدث الحاجة إلى دار الضرب وإلى الصيارفة فهذه أشغال الخلق وهي معائشهم وشيء من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا بنوع تعلم وتعب في الابتداء.
وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى