.................................................................................................
______________________________________________________
والحسد ، والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة وحب الثناء وحب التكاثر والتفاخر فهذه هي الدنيا الباطنة وأما الظاهرة فهي الأعيان التي ذكرناها ، والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها ، والخلق إنما تسعى أنفسهم ومالهم ومنقلبهم لهاتين العلاقتين علاقة القلب بالحب وعلاقة البدن بالشغل.
ولو عرف نفسه وعرف ربه وعرف حكمة الدنيا وسرها ، علم أن هذه الأعيان التي سميتها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي تسير بها إلى الله تعالى ، وأعني بالدابة البدن فإنه لا يبقى إلا بمطعم وملبس ومسكن ، كما لا يبقى الإبل في طريق الحج إلا بعلف وماء وجلال.
ومثال العبد في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق ولا يزال يعلف الدابة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب ، ويحمل إليها أنواع الحشيش ، ويبرد لها الماء بالثلج ، حتى تفوته القافلة وهو غافل عن الحج وعن مرور القافلة ، وعن بقائه في البادية ، فريسة للسباع هو وناقته ، والحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة ، فكذلك البصير في سفر الآخرة لا يشتغل بتعهد البدن إلا بالضرورة ، كما لا يدخل الماء إلا للضرورة ، ولا فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين إخراجه من البطن ، وأكثر ما شغل الناس عن الله البدن ، فإن القوت ضروري وأمر الملبس والمسكن أهون ، ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا فإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها ، ولكنهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا واتصلت بعضها ببعض ، وتداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقصودها.