.................................................................................................
______________________________________________________
ثم قال : اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان موجودة وللإنسان فيها حظ وله في إصلاحها شغل ، فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها ، قال الله تعالى : « إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » (١) فالأرض فراش للآدميين ومهاد ومسكن ومستقر ، وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح ، ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام : المعادن والنبات والحيوان ، أما المعادن فيطلبها الآدمي للآلات والأواني كالنحاس والرصاص ، أو للنقد كالذهب والفضة ولغير ذلك من المقاصد وأما النبات فيطلبها الآدمي للاقتيات وللتداوي ، وأما الحيوان فينقسم إلى الإنسان والبهائم ، أما البهائم فيطلب لحومها للمأكل وظهورها للمركب والزينة ، وأما الإنسان فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم ويستسخرهم كالغلمان ، أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ، ويطلب قلوب الناس ليملكها فيغرس فيه التعظيم والإكرام ، وهو الذي يعبر عنه بالجاه ، إذ معنى الجاه ملك قلوب الآدميين.
فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا ، وقد جمعها الله تعالى في قوله : « زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ » وهذا من الأنس « وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ » وهذا من المعادن والجواهر وفيه تنبيه على غيرها من اللئالي واليواقيت « وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ » وهي البهائم والحيوانات « وَالْحَرْثِ » وهو النبات والزرع.
فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين علاقة مع القلب ، وهو حبه لها وحظه منها ، وانصراف قلبه إليها ، حتى يصير قلبه كالعبد ، أو المحب المستهتر بالدنيا ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر والغل
__________________
(١) سورة الكهف : ٧.