.................................................................................................
______________________________________________________
الدنيا ، وإن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه ، وإن كان صورته صورة الدنيا ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من طلب الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر.
انظر كيف اختلف ذلك بالقصد ، فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لأمر الآخرة ويعبر عنه بالهوى ، وإليه أشار قوله تعالى : « وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » (١).
واعلم أن مجامع الهوى خمسة أمور ، وهي ما جمعه الله عز وجل في قوله : « أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » (٢). والأعيان التي تحصل منها هذه الأمور سبعة يجمعها قوله تعالى : « زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ » (٣) فقد عرفت أن كلما هو لله فليس من الدنيا ، وقدر ضرورة القوت وما لا بد منه من مسكن وملبس فهو لله إن قصد منه وجه الله ، والاستكثار منه تنعم وهو لغير الله ، وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة ، ولها طرفان وواسطة ، طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر فإن الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن ، وطرف تتاخم جانب التنعم ويقرب منه ، وينبغي أن يحذر ، وبينهما وسائط متشابهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، والحزم في الحذر والتقوى والتقرب حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء والأولياء.
__________________
(١) سورة النازعات : ٤٠ ـ ٤١.
(٢) سورة محمّد : ٣٦.
(٣) سورة آل عمران : ١٤.