.................................................................................................
______________________________________________________
على القلب من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها ، هو أيضا عذاب.
فالدنيا قليلها وكثيرها حلالها وحرامها ملعونة إلا ما أعان على تقوى الله ، كان ذلك القدر ليس من الدنيا ، وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن كان حذره من نعيم الدنيا أشد ، ولهذا زوى الله تعالى الدنيا عن نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان يطوي أياما وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع ، ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، كل ذلك نظرا لهم وامتنانا عليهم ليتوفر من الآخرة حظهم ، كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه ، ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه ، وحبا له لا بخلا به عليه.
وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو للدنيا ، وما هو لله فليس من الدنيا فإن قلت : فما الذي هو لله؟
فأقول : الأشياء ثلاثة أقسام ، منها : ما لا يتصور أن يكون لله ، وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي والمحظورات ، وأنواع التنعمات في المباحات وهي الدنيا المحضة المذمومة فهي الدنيا صورة ومعنى.
ومنها : ما صورتها لله ويمكن أن يجعل لغير الله ، وهي ثلاثة : الفكر والذكر والكف عن الشهوات ، فهذه الثلاث إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر فهي لله ، وليست من الدنيا ، وإن كان الغرض من النظر طلب العلم للتشرف وطلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة ، أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الاشتهار بالزهد فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى وإن كان يظن بصورتها أنها لله.
ومنها : ما صورتها لحظ النفس ويمكن أن يجعل معناه لله ، وذلك كالأكل والنكاح وكل ما يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده ، فإن كان القصد حظ النفس فهو من