.................................................................................................
______________________________________________________
القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات ، إذ تكون جنة بين العبد وبين عذاب الله وأما الإنس والحب فهما من المسعدات وهي موصلان العبد إلى لذة اللقاء والمشاهدة وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة ، فيصير القبر روضة من رياض الجنة ، وكيف لا يكون كذلك ولم يكن له إلا محبوب واحد ، وكانت العوائق تعوقه عن الأنس بدوام ذكره ومطالعة جماله ، فارتفعت العوائق وأفلت من السجن ، وخلي بينه وبين محبوبة ، فقدم عليه مسرورا آمنا من الفرق ، وكيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إلا الدنيا ، وقد غصب منه وحيل بينه وبينه وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه ، وليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا وقدوم على الله تعالى.
فإذا سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث ، وهي الذكر والفكر والعمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا ، ويبغض إليه ملاذها ويقطعه عنها ، وكل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن ، وصحة البدن لا تنال إلا بالقوت والملبس والمسكن ويحتاج كل واحد إلى أسباب.
فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا ، وكانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة ، وإن أخذ ذلك على قصد التنعم ولحظ النفس صار من أبناء الدنيا ، وللراغبين في حظوظها إلا أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب الله في الآخرة ، ويسمى ذلك حراما وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلى ، ويعرضه لطول الحساب ، ويسمى ذلك حلالا والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا عذاب ، فمن نوقش في الحساب عذب فلذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حلالها حساب وحرامها عقاب ، وقد قال أيضا : حلالها عذاب إلا أنه عذاب أخف من عذاب الحرام ، بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنة ، وما يرد