قال وكان أبو عبد الله عليهالسلام يقول لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها.
______________________________________________________
ومرتفعاتها فإنها وإن كانت مؤاتية على اليسر والخفض إلا أن عاقبتها عاقبة سوء والتخلص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة ، والحاصل أن متابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت كل واحدة منها في نظره حقيرة ، وتحصل له بسهولة ، لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها ، والمحاسبة عليها ، فهو كمن صعد جبلا بحيل شتى فإذا انتهى إلى ذروته تحير في تدبير النزول عنها.
وأيضا تلك المنازل الدنية تحصل له في الدنيا بالتدريج ، وعند الموت لا بد من تركها دفعة ، ولذا تشق عليه سكرات الموت بقطع تلك العلائق ، فهو كمن صعد سلما درجة درجة ثم سقط في آخر درجة منه دفعة ، فكلما كانت الدرجات في الصعود أكثر كان السقوط منها أشد ضررا وأعظم خطرا فلا بد للعاقل أن يتفكر عند الصعود على درجات الدنيا في شدة النزول عنها فلا يرقى كثيرا ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة ، فهذا التشبيه البليغ على كل من الوجهين من أبلغ الاستعارات وأحسن التشبيهات ، وفي بعض النسخ : أتقي بالياء وكأنه من تصحيف النساخ ، ولذا قرأ بعض الشارحين أتقى بصيغة التفضيل على البناء للمفعول وقرأ السهل مرفوعا ليكون خبرا للمبتدإ وهو أتقى ، أو يكون أتقي بتشديد التاء بصيغة المتكلم من باب الافتعال فالسهل منصوب صفة للمرتقى ، وكل منهما لا يخلو من بعد.
« لا تدع النفس وهواها » أي لا تتركها مع هواها وما تهواه وتحبه من الشهوات المردية « فإن هواها في رداها » أي هلاكها في الآخرة بالهلاك المعنوي ، في القاموس ردي في البئر سقط كتردى وأرداه غيره ورداه وروي كرضى ردي هلك ، وأرداه ، ورجل ردها لك.
قوله عليهالسلام : أذاها ، الأذى ما يؤذي الإنسان من مرض أو مكروه ، والشيء القذر ، وفي بعض النسخ داؤها أي مرضها وهو أنسب بقوله : دواءها لفظا ومعنى ، في القاموس الدواء مثلثة ما داويت به ، وبالقصر المرض.