يعرفون أبناءهم في منازلهم « وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ » أنك الرسول إليهم « فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » (١) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [ الله ] بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ » (٢)
______________________________________________________
الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن « الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ » كلام مستأنف والحق إما مبتدأ خبره من ربك ، واللام للعهد والإشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه ، أو للجنس والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب ، وإما خبر مبتدإ محذوف أي هو الحق ومن ربك حال أو خبر بعد خبر ، وقرأ بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول يعلمون.
« فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به ، وليس المراد به نهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الشك فيه لأنه غير متوقع منه ، وليس بقصد واختيار ، بل إما تحقيق الأمر وأنه بحيث لا يشك فيه ناظر أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك ، على الوجه الأبلغ.
قوله : والولاية ، أي يعرفون محمدا بالنبوة وأوصياءهم بالإمامة والولاية ، وإنما اكتفى بذكر محمد لأن معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه ، أو لأنه الأصل والعمدة « إنك الرسول إليهم » بيان للحق ، وفي البصائر الحق من ربك الرسول من الله إليهم بالحق ، والظاهر أن قراءتهم عليهمالسلام كان على النصب « ابتلاهم الله بذلك » أي بسبب ذلك الجحود ، فقوله : فسلبهم بيان للابتلاء.
وأقول : يحتمل أن يكون الغرض من ذكر الآية بيان سلب روح الإيمان من هؤلاء بقوله تعالى : « فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » فإن الظاهر أن هذا تعريض لهم
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤٧.
(٢) سورة الفرقان : ٤٤.