______________________________________________________
تعالى : « وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ » (١).
ولاطلاع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عظيم صنع الله في عجائب القلب وتقلبه كان يحلف به وكان يقول : ولا مقلب القلوب ، وكان كثيرا ما يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قالوا : أو تخاف يا رسول الله؟ فقال : وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ، وفي لفظ آخر : إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ، وضرب له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة أمثلة فقال : مثل القلب مثل العصفور تنقلب في كل ساعة ، وقال : مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استحمت غليانا وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : مثل القلب كمثل ريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهر البطن ، وهذه التقلبات من عظيم صنع الله في تقليبه من حيث لا يهتدى إليه ، لا يعرفه إلا المراقبون لقلوبهم ، والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى ، والقلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة ، قلب عمر بالتقوى وزكى بالرياضة ، وطهر من خبائث الأخلاق ، فينقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ، ومداخل الملكوت ، فيتصرف العقل إلى التفكر فيما خطر ليعرف دقائق الخير فيه ، ويطلع على أسرار فوائده ، فينكشف له بنور البصيرة وجهه ، فيحكم بأنه لا بد من فعله ، ويستحث عليه ، ويدعو إلى العمل به ، فينظر الملك إلى القلب فيجده طيبا في جوهره ، طاهرا بتقواه مشيرا بضياء العقل ، معمورا بأنوار المعرفة ، ويراه صالحا لأن يكون مستقرا له ، فعند ذلك يمده بجنود لا ترى ويهديه إلى خيرات أخرى حتى ينجر الخير إلى الخير.
وكذلك على الدوام لا يتناهى إمداده بالترغيب في الخير ويتيسر الأمر عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى : « فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » (٢) وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مشكاة الربوبية حتى لا
__________________
(١) سورة الأنعام : ١١٠.
(٢) سورة الليل : ٦.