______________________________________________________
يخفى فيه الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء ، ولا تخفى على هذا النور خافية ، ولا يروج عليه شيء من مكائد الشيطان ، بل يقف عليه الشيطان ويوحي زخرف القول غرورا ، ولا يلتفت إليه.
وهذا القلب بعد طهارته من المهلكات يصير على القرب معمورا بالمنجيات من الشكر والصبر والخوف والرجاء والزهد والمحبة والرضا والتوكل والتفكر والمحاسبة والمراقبة وأمثالها.
وهو القلب الذي أقبل الله تعالى عليه بوجهه ، وهو القلب المطمئن المراد بقوله تعالى : « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » (١) وبقوله عز وجل : « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ » (٢).
القلب الثاني : القلب المخذول المشحون بالهوى ، المدنس بالخبائث الملوث بالأخلاق الذميمة ، المفتحة فيه أبواب الشياطين ، المسدودة عنه أبواب الملائكة ومبدء الشر فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجس فيه ، فينظر القلب إلى حاكم العقل ليستغني عنه ، ويستكشف وجه الصواب فيه فيكون العقل قد ألف خدمة الهوى فأنس به ، واستمر على استنباط الحيل له في موافقة الهوى ومساعدته ، فيسول النفس له ويساعده عليه ، فينشرح الصدر بالهوى وينبسط فيه ظلماته لانخناس جند العقل عن مدافعته فيقوي سلطان الشيطان لاتساع مكانه بسبب انتشار الهوى ، فيقبل عليه بالتزيين والغرور والأماني ، ويوحى بذلك زخرف القول غرورا ، فيضعف سلطان الإيمان بالوعد والوعيد ، ويخبو نور اليقين بخوف الآخرة أن يتصاعد من الهوى دخان مظلم إلى القلب يملأ حواسه حتى تنطفي أنواره فيصير العقل كالعين التي ملأ الدخان أجفانها ، فلا يقدر على أن تنظر وهكذا تفعل غلبة
__________________
(١) سورة الرعد : ٢٨.
(٢) سورة الفجر : ٢٨.