______________________________________________________
هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية.
وقال رحمهالله : لا ريب في وجوب التوبة على الفور فإن الذنوب بمنزلة السموم المضرة بالبدن وكما يجب على شارب السم المبادرة إلى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك ، كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى تركها والتوبة منها تلافيا لدينه المشرف على التهافت والاضمحلال ، ومن أهمل المبادرة إلى التوبة وسوفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين إن سلم من واحد فلعله لا يسلم من الآخر.
أحدهما : أن يعاجله الأجل فلا يتنبه من غفلته إلا وقد حضره الموت وفات وقت التدارك ، وانسدت أبواب التلافي ، وجاء الوقت الذي أشار إليه سبحانه بقوله : « وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ » (١) وصار يطلب المهلة والتأخير يوما أو ساعة ، فيقال : لا مهلة لك كما قال سبحانه : « مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » (٢) قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية إن المحتضر يقول عند كشف الغطاء : يا ملك الموت أخرني يوما أعتذر فيه إلى ربي وأتوب إليه وأتزود عملا صالحا فيقول فنيت الأيام فيقول أخرني ساعة فيقول : فنيت الساعات فيغلق عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النار ويجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمر ، وربما اضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأهوال نعوذ بالله من ذلك.
وثانيهما أن تتراكم ظلمة المعاصي على قلبه إلى أن تصير رينا وطبعا فلا تقبل المحو فإن كل معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمه في قلبه كما تحصل من نفس الإنسان ظلمه في المرآة فإذا تراكمت ظلمة الذنوب صارت رينا كما تصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة ، وإذا تراكم الرين صار طبعا تطبع على قلبه
__________________
(١) سورة سبأ : ٥٤.
(٢) سورة المنافقون : ١٠.