______________________________________________________
وهذا هو المذهب عند الفقهاء الشافعية والقدماء من الحنفية ، وكانوا ينسبون القول بخلاف ذلك إلى المعتزلة ، إلا أن المتأخرين منهم تعدون ذلك نسخا ويخصون التخصيص بما يكون دليله متصلا ويجوزون الخلف في الوعيد ، ويقولون الكذب يكون في الماضي دون المستقبل ، وهذا ظاهر الفساد فإن الأخبار بالشيء على خلاف ما هو كذب ، سواء كان في الماضي أو في المستقبل ، قال الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً » (١) ثم قال : « وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ » على أن المذهب عندنا أن أخبار الله تعالى أزلي لا يتعلق بالزمان ولا يتغير المخبر به ، على ما سبق في بحث الكلام.
ثم قال : وللإمام الرازي هنا جواب إلزامي وهو أن صدق كلامه لما كان عندنا أزليا امتنع كذبه ، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، وأما عندكم فإنما امتنع كذبه لكونه قبيحا ، ولم قلتم أن هذا الكذب قبيح وقد توقف عليه العفو الذي هو غاية الكرم ، وهذا كمن أخبر أنه يقتل زيدا غدا ظلما ، ففي الغد إما أن يكون الحسن قتله وهو باطل ، وأما ترك قتله وهو الحق لكنه لا يوجد إلا عند وجود الكذب ، وما لا يوجد الحسن إلا عند وجوده حسن قطعا فهذا الكذب حسن قطعا.
ويمكن دفعه بأن الكذب في إخبار الله تعالى قبيح وإن تضمن وجوها من المصلحة ، وتوقف عليه أنواع من الحسن لما فيه من مفاسد لا تحصى ، ومطاعن في الإسلام لا تخفى ، منها مقال الفلاسفة في المعاد ، ومجال الملاحدة في العناد ، ومنها بطلان ما وقع عليه الإجماع من القطع بوجود الكفار في النار ، فإن غاية الأمر شهادة النصوص القاطعة بذلك وإذا جاز الخلف لم يبق القطع إلا عند شرذمة لا
__________________
(١) سورة الحشر : ١١.