______________________________________________________
يجوزون العفو عنهم في الحكمة ، على ما يشعر به قوله تعالى : « أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (١) وغير ذلك من الآيات.
ووجه التفرقة أن المعاصي قلما تخلو عن خوف عقاب ورجاء رحمة وغير ذلك من خيرات تقابل ما ارتكب من المعصية اتباعا للهوى ، بخلاف الكافر ، وأيضا الكفر مذهب والمذهب يعتقد للأبد وحرمته لا تحتمل الارتفاع أصلا ، فكذلك عقوبته بخلاف المعصية فإنها لوقت الهوى والشهوة ، وأما من جوز العفو عقلا والكذب في الوعيد إما قولا بجواز الكذب المتضمن لفعل الحسن ، أو بأنه لا كذب بالنسبة إلى المستقبل ، فمع صريح إخبار الله تعالى بأنه لا يعفو عن الكافر ، ويخلده في النار ، فجواز الخلف وعدم وقوع مضمون هذا الخبر محتمل ، ولما كان هذا باطلا علم أن القول بجواز الكذب في إخبار الله تعالى باطل قطعا.
وقال المحقق الدواني في شرح العقائد : لا يجب الثواب عليه تعالى في الطاعة ولا العقاب على المعصية خلافا للمعتزلة والخوارج ، فإنهم أوجبوا عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة على الله تعالى ، وحرموا عليه العفو ، واستدلوا عليه بأن الله تعالى أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره ، وهما محالان على الله تعالى.
وأجيب عنه : بأن غايته عدم وقوعه ولا يلزم منه الوجوب على الله تعالى ، واعترض عليه الشريف العلامة بأنه حينئذ يلزم جوازهما وهو محال ، لأن إمكان المحال محال ، وأجاب عنه بأن استحالتهما ممنوعة كيف وهما من الممكنات يشملهما قدرة الله تعالى عليهما.
قلت : الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال ، فلا يكون من الممكنات ولا يشملهما القدرة كسائر وجوه النقص عليه كالجهل والعجز ونفي صفة الكلام وغيرها
__________________
(١) سورة القلم : ٣٥.