______________________________________________________
من صفات الكمال ، بل الوجه في الجواب ما أشرنا إليه سابقا من أن الوعد والوعيد مشروطتان بقيود وشروط معلومة من النصوص فيجوز التخلف بسبب انتفاء بعض تلك الشروط ، وأن الغرض منهما إنشاء الترغيب والترهيب.
على أنه بعد التسليم إنما يدل علي أن استحالة وقوع التخلف لا على الوجوب عليه ، إذ فرق بين استحالة الوقوع وبين الوجوب عليه كما أن إيجاد المحال محال على الله تعالى ، ولا يقال : أنه حرام عليه بل الوجوب والحرمة ونحوهما فرع القدرة على الواجب والحرام.
واعلم أن بعض العلماء ذهب إلى أن الخلف في الوعيد جائز على الله تعالى ، وممن صرح به الواحدي في تفسير الوسيط في قوله تعالى في سورة النساء : « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها » (١) حيث قال : والأصل في هذا أن الله تعالى يجوز أن يخلف الوعيد وإن كان لا يجوز أن يخلف الوعد وبهذا وردت السنة ، ثم ذكر في ذلك أخبارا.
ثم قال : وقيل : إن المحققين على خلافه كيف وهو تبديل للقول وقد قال الله تعالى : « ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ » (٢) قلت : إن حمل آيات الوعيد على إنشاء التهديد ، فلا خلاف لأنه حينئذ ليس خبرا بحسب المعنى وإن حمل على الإخبار كما هو الظاهر ، فيمكن أن يقال بتخصيص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد بالدلائل المفصلة ولا خلف على هذا التقدير أيضا فلا يلزم تبدل القول ، وأما إذا لم نقل بأحد هذين الوجهين فيشكل التفصي عن لزوم التبدل والكذب ، إلا أن تحمل آيات الوعيد على استحقاق ما أوعد به لا على وقوعه بالفعل ، وفي الآية المذكورة إشارة إلى ذلك حيث قيل « فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها » انتهى.
__________________
(١) سورة النساء : ٩٣.
(٢) سورة ق : ٢٩.