______________________________________________________
وقال الرازي في تفسير قوله تعالى : « بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » (١) اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان ، منهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج ، ومنهم من أثبت وعيدا منقطعا ، ومن الناس من قطع بأنه لا وعيد لهم وهو قول شاذ ، والقول الثالث إنا نقطع بأنه سبحانه يعفو عن بعض العصاة وعن بعض المعاصي ، لكنا نتوقف في حق كل أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم لا ، ونقطع بأنه إذا عذب أحدا منهم فإنه لا يعذبه أبدا بل يقطع عذابه وهو قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر الإمامية ، وبسط الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه ولا يناسب ذكرها في هذا المقام ، ويرجع حاصل أجوبته عن دلائل الخصم إلى أن آيات العفو مخصصة ومقيدة لآيات العقاب.
وقال في قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ » (٢) كلاما طويلا في ذلك ثم قال في آخر كلامه : فأما قولك إنه لو لم يفعل لصار كاذبا أو مكذبا نفسه ، فجوابه أن هذا إنما يلزم لو كان الوعيد ثابتا جزما من غير شرط ، وعندي جميع الوعيدات مشروط بعدم العفو ، فلا يلزم من تكره دخول الكذب في كلام الله ، انتهى.
ومما يدل على أنهم يعدونه خبرا أنهم يحكمون بوجوب الاستثناء فيما يعده الإنسان أو يخبر بإيقاعه ، إما بالقول أو بالضمير ، قال السيد المرتضى رضياللهعنه عند تأويل قوله تعالى : « وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ » (٣) الآية ، فأما قول بعضهم أن ذنبه من حيث لم يستشهد بمشية الله لما قال : تلد كل واحدة منهن غلاما فهذا غلط ، لأنه عليهالسلام وإن لم يستثن ذلك فقد استثناه ضميرا واعتقادا ، إذ لو كان قاطعا مطلقا للقول
__________________
(١) سورة البقرة : ٨١.
(٢) سورة آل عمران : ٩.
(٣) سورة ص : ٣٤.