قال : وبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب؟ وبأيها تنحس من تنحس؟ قال : لاعلم لي بذلك ، قال : فهل علمت أنه سعد اليوم اثنان وسبعون عالما ، في كل عالم سبعون عالما ، منهم في البر ، ومنهم في البحر ، وبعض في الجبال ، وبعض في الغياض وبعض في العمران ، وما الذي أسعدهم؟ قال : لاعلم لي بذلك ، قال : يا دهقان : أظنك حكمت على اقتران المشتري وزحل لما استنارا لك في الغسق ، وظهر تلالؤ شعاع المريخ وتشريقه في السحر ، وقد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر (١) وذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم والليلة ويموت مثلهم وأشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال : ويموت هذا ، فإنه منهم فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه ، فأخذه شئ بقلبه ، وتكسرت نفسه في صدره ، فمات لوقته.فقال عليه السلام : يا دهقان ألم أرك غير التقدير في غاية التصوير؟ قال : بلى يا أميرالمؤمنين ، قال : يا دهقان! أنا مخبرك أني وصحبئ هؤلاء لاشرقيون ولاغربيون ، إنما نحن ناشئة القطب ، وما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب أن تحكم معه لي ، لان نوره وضياءه عندي ، فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضية عيص (٢) ، فاحسبها وولدها إن كنت عالما بالاكوار والادوار.
____________________
(١) قال بعض علماء العصر ما حاصله ان هذا الكلام يدل على بطلان الفرضية البطلميوسية حيث إن الظاهر منه امكان اقتراب الكواكب بعضها من بعض واتصال جرم المريخ بتربيع القمر وهو مستحيل على تلك الفرضية ، لان كل واحد من الكواكب بناء عليها مركوز في ثخن فلك من الافلاك لايتحرك من مكانه ولايتغير وضعه الا بتبع فلكه ، والافلاك كرات متداخلة كطبقات البصل لايتغير شئ منها عن مكانه ، وفلك القمر هو الفلك الاول وفلك المريخ هو الفلك الخامس وبينهما ثلاثة أفلاك فيستحيل اقتراب احدهما من الاخر واما على مبانى الهيئة الجديدة فالارض احد السيارات ، واقرب الكواكب منها هو المريخ ، والقمر يدور حول الارض ، ومدار الجميع على الشكل البيضى المستطيل ، ومدار الارض في داخل مدار المريخ ، وعلى هذا يمكن للمريخ ان يقترب من القمر في بعض الاوضاع بحيث يتوهم اتصالهما من شدة قربهما وعند ذلك يكون المريخ في غاية التلالؤ : لكونه في اقرب نقطة من الارض ومن الشمس أيضا ، ومن هنا يظهر سرجملة اخرى من كلامه عليه السلام وهى هذه « وظهر تلالؤ شعاع المريخ وتشريقه في السحر ».
(٢) عويص ( خ ).