قال : لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الاجمة ومضى أمير المؤمنين عليه السلام فهزم أهل النهروان وقتلهم ، وعاد بالغنيمة والظفر. فقال الدهقان : ليس هذا العلم بما في أيدي أهل زماننا ، هذا علم مادته من السماء.
١٤ ـ أقول : وروى السيد الخبر أيضا عن الاصبغ بن نباتة ، قال : لما رحل أميرالمؤمنين عليه السلام من « نهربين (١) » أتينا النهروان وقد قطع جسرها وسمرت سفنها فنزل صلى الله على محمد وعليه وقد سرح الجيش إلى جسر بوران ومعه رجل من أصحابه ، وقد شك في قتال الخوارج ، فإذا برجل يركض فلما رأى أميرالمؤمنين عليه السلام قال : البشرى يا أميرالمؤمنين! قال له : وما بشراك؟ قال : لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر بين ولواهاربين. قال علي عليه السلام : أنت رأيتهم حين ولوا؟ قال : نعم ، قال علي عليه السلام : كلا والله لا عبروا النهروان ولاتجاوزوا الانثلات ولا النخيلات حتى يقتلهم الله على يدي ، عهد معهود ، وقدر مقدور ، ولا يقتلون منا عشرة ، ولاينجو منهم عشرة ، إذا أقبل عليه رجل من الفرس يقتدى برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوامع والمراجع ، وتقويم القطب في الفلك ، ومعرفته بالحساب والضرب والجبر والمقابلة وتاريخ السنداباد وغير ذلك ، وهو الدهقان ، فلما بصر بأميرالمؤمنين عليه السلام نزل عن فرسه وسلم عليه فقال له : أيها الامير! لتعرجعن عما قصدت إليه وكان اسم الدهقان « سرسفيل سوار » وكان دهقانا من دهاقين المدائن فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : ولم يا سرسفيل سوار؟! قال : تناحست النجوم الطالعات ، وتباعدت النجوم الناحسات ، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والقعود ، ويومك هذا مميت يقلب فيه رجمان ، وانكشفت فيه الميزان ، واقتدح من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان. قال له أميرالمؤمنين عليه السلام : أخبرني يا دهقان عن قصة الميزان ، وفي أي مجرى كان برج السرطان؟ قال : سأنظر لك في ذلك ، ثم ضرب يده إلى كمه فأخرج منها زيجا واصطرلابا ، فتبسم أميرالمؤمنين
____________________
(١) نهر بين بفتح النون وكسر الباء : طسوج من سواد بغداد ، وهو الان قرية بظاهرها « من مراصد الاطلاع ».