من القمر جزءا في ضوئه؟ قال : فقلت : هذا شئ لايعلمه إلا الله عزوجل ، قال : فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها؟ قال : قلت : ما أعرف هذا ، قال : صدقت ثم قال : فما بال العسكرين يلتقيان ، في هذا حاسب ، وفي هذا حاسب ، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر (١) ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر ، فأين كانت النجوم؟ قال : فقلت : لا والله ، ما أعلم ذلك قال : فقال : صدقت ، إن أصل الحساب حق ولكن لايعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم (٢).
بيان : « فأدرتها » لعله زعم أن حركة الفلك في جميع المواضع رحوية « ما بال العسكرين » هذا دليل تام على خطاء المنجمين ، فإن ملكين إذا تقابلا وكان لكل منهما منجم فإنهما يختاران لهما ساعة واحدة ، ويحكم كل منهما لصاحبه بالظفر ، مع أنه يظفر أحدهماو ينهزم الآخر ، وذلك لعدم إحاطتهم بارتباط النجوم بالاشخاص فإنه يمكن أن يكون لكل نجم مناسبة لشخص من الاشخاص يكون سعادته أو علوه علامة لغلبته ، أو يقال كما أن لتأثير الفواعل مدخلا في حدوث الحوادث فكذا لاستعداد القوابل مدخل فيه ، وهم على تقدير إحاطة علمهم بالاول لم يحط علمهم بالثاني كما قاله ابن سينا ، وسيأتي تفصيله في قصة هاروت وماروت. فقوله عليه السلام « لايعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق » يمكن أن يكون إشارة إلى الاول ، كما أن المنجمين يعتبرون طالع المولود في الاحكام ، أو إلى الثاني بأن يكون المراد بمواليدهم خصوصيات موادهم واستعداداتهم وقابلياتهم وأسباب ولادتهم ، وهذا علم لايمكن الاحاطة به إلا بالوحي أو الالهام من الخالق الحكيم ، ويمكن أن يكون المراد به أن من أحاط بذلك العلم يعلم به جميع مواليد الخلق ، ولما لم يعلم المنجمون جميع ذلك ظهر أنهم لايحيطون به علما ، وعلى التقادير ظاهره حقية هذا العلم ، وعدم جواز النظر فيه لسائر الخلق ، لعدم إحاطتهم به وتضمنه القول بما لايعلم والله يعلم.
____________________
(١) في المصدر : بالظفر ، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر.
(٢) روضة الكافى : ٣٥١.