أمرا مموها فلم يقفوا إلا أنها كلما قربوا منها تباعدت وكلما تباعدوا منها قربت فقلت لأبي الفرج إن يوم النيروز زائل عن مكانه لإهمال الفرس كبيستهم فلم لم يتأخر عنه هذا الأمر وإن لم يجب تأخره فهل كان يتقدم وقت استعمال الكبيسة فلم يكن عنده جواب مقنع. وقال أصحاب النيرنجات من لعق يوم النيروز قبل الكلام إذا أصبح ثلاث لعقات عسل وبخر بثلاث قطاع من شمع كان ذلك شفاء من الأدواء وكان النيروز فيه جرى الرسم بتهادي الناس بينهم السكر والسبب فيه كما حكي مؤبد بغداد أن قصب السكر إنما ظهر في مملكة جم يوم النيروز ولم يكن يعرف قبل ذلك الوقت وهو أنه رأى قصبة كثيرة الماء قد مجت شيئا من عصارتها فذاقها فوجد فيها حلاوة لذيذة فأمر باستخراج مائها وعمل منه السكر فارتفع في اليوم الخامس وتهادوه تبركا به وكذلك استعمل في المهرجان وإنما خصوا وقت الانقلاب الصيفي بالابتداء في السنة لأن الانقلابين أولى أن يوقف عليهما بالآلات والعيان من الاعتدالين وذلك أن الانقلابين هما أوائل إقبال الشمس إلى أحد قطبي الكل وإدبارها عنه بعينه وإذا رصد الظل المنتصب في الانقلاب الصيفي والظل البسيط في الانقلاب الشتوي في أي موضع اتفق من الأرض لم يخف على الراصد يوم الانقلاب ولو كان من علم الهندسة والهيئة بأبعد البعد فأما الاعتدالان فإنه لا يوقف على يومهما إلا بعد تقدم المعرفة بعرض البلد والميل الكلي ثم لا يكون ذلك ظاهرا إلا لمن تأمل الهيئة ومهر في علمها وعرف آلات الرصد ونصبها والعمل بها فكان الانقلابان لهذه الأسباب أولى بالابتداء من الاعتدالين وكان الصيفي منهما أقرب إلى سمت الرءوس الشمالية فآثروه على الشتوي. وأيضا فلأنه هو وقت إدراك الغلات فهو أصوب لافتتاح الخراج فيه من غيره وكثير من العلماء والحكماء اليونانيين أقاموا الطالع لوقت طلوع كلب الجبار واستفتحوا به السنة دون الاعتدال الربيعي من أجل أن طلوعه فيما مضى كان موافقا لهذا الانقلاب أو بالقرب منه وقد زال هذا اليوم أعني النيروز عن وقته حتى صار في زماننا يوافق دخول الشمس برج الحمل وهو أول الربيع