ظن من يظن أن الضروريات تشهد بخلاف ما يدل عليه القرآن ويحتج لإثبات ظنه بقول أحد الفقهاء والمفسرين والله الموفق للصواب انتهى كلامه.
وأقول : سيأتي جواب ذلك كله والدلائل الكثيرة الدالة على خلافه وما ذكره على تقدير تمامه لا ينافي ما ادعيناه مع أن عرف الشرع بل العرف العام قد استقر على أن ابتداء اليوم والنهار طلوع الفجر الثاني (١) وأكثر ما ذكره يدل على أنه بحسب الحساب والقواعد النجومية أولهما طلوع الشمس ولا مشاحة في ذلك وقوله لو كان أول الصوم أول النهار إلخ فالجواب أنه لما كان أول النهار عند أهل الحساب طلوع الشمس بين سبحانه أن المراد هنا اليوم الشرعي كما أنه لما كانت اليد تطلق على معان قال في آية الوضوء « إِلَى الْمَرافِقِ » لتعيين أحد المعاني ولما لم يكن في آخر النهار اختلاف في الاصطلاح لم يتعرض لتعيينه وإنما استقر العرف العام والخاص على جعل أول النهار الفجر وأول الليل الغروب لما سيأتي أن الناس لما كانوا في الليل فارغين عن أعمالهم الضرورية للظلمة المانعة فاغتنموا شيئا من الضياء لحركتهم وتوجههم إلى أعمالهم الدينية والدنيوية
__________________
(١) الظاهر ان المتبادر من الليل والنهار هو ما بين غروب الشمس الى طلوعها وما بين طلوعها الى غيبوبتها ، وأما تحديد بعض العبادات كالصوم بغير هذين الحدين فلا يدل على أن للفظة اليوم او النهار معنى شرعيا مغايرا لمعناه العرفى واللغوى ، ودعوى دلالة آية الصوم على كون مبدإ اليوم الشرعى طلوع الفجر ممنوعة ، لان الآية انما تتعرض لوقت الصوم وليس فيها ذكر من اليوم والنهار ولا دلالة لها على كون مبدأ الصوم هو مبدأ النهار بعينه. نعم يظهر من قوله تعالى : « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » ان منتهاه هو مبدأ الليل فبناء على ما هو المشهور بين الشيعة من اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية يقع الكلام في ان مبدأ الليل العرفى هو غروب الشمس فاعتبار امر زائد عليه يدل على ان مبدأه عند الشرع غير ذلك. ولقائل أن يقول : إن استتار القرص لما كان يختلف في الاراضى المتقاربة لاجل حيلولة الجبال الشاهقة بل التلال المرتفعة جعل ارتفاع الحمرة كاشفا عن تحقق الغروب في الاراضى المتفقة الافق. ويؤيد ذلك رواية ابن أبي عمير عن الصادق ٧ « فاذا جازت يعنى الحمرة قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » وفي رواية اخرى « والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق ».