النبي صلى الله عليه واله مغشيا عليه فنزل جبرئيل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه وهو قوله « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » وتقديره ثم دنا أي قرب بعد بعده وعلوه في الأفق الأعلى فدنا من محمد صلى الله عليه وآله قال الحسن وقتادة ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فنزل إلى محمد صلى الله عليه واله وقال الزجاج معنى دنا وتدلى واحد لأن معنى دنا قرب وتدلى زاد في القرب وقيل إن المعنى استوى جبرئيل أي ارتفع وعلا إلى السماء بعد أن علم محمدا صلى الله عليه واله عن ابن مسيب وقيل استوى أي اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي صلى الله عليه وآله وقيل : معناه استوى جبرئيل عليه السلام ومحمد بالأفق الأعلى يعني السماء الدنيا ليلة المعراج « فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ » أي كان ما بين جبرئيل عليه السلام وبين رسول الله صلى الله عليه واله قاب قوسين والقوس ما يرمى به وخصت بالذكر على عادتهم يقال قاب قوس (١) وقاد قوس وقيل معناه كان قدر ذراعين كما روي عن النبي صلى الله عليه واله فمعنى القوس ما يقاس به والذراع يقاس به « أَوْ أَدْنى » قال الزجاج إن العباد قد خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم وقيل لهم في هذا ما يقال للذي يحزز (٢) فالمعنى فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك وقال عبد الله بن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه واله رأى جبرئيل وله ستمائة جناح (٣). وقال في قوله تعالى « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » أي إن القرآن قول رسول كريم على ربه وهو جبرئيل عليه السلام وهو كلام الله أنزله على لسانه « ذِي قُوَّةٍ » أي فيما كلف وأمر به من العلم والعمل وتبليغ الرسالة وقيل ذي قدرة في نفسه ومن قوته قلع ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها « عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » معناه متمكن عند الله صاحب العرش وخالقه رفيع المنزلة عظيم القدر عنده كما يقال فلان مكين عند السلطان والمكانة القرب « مُطاعٍ ثَمَ » أي في السماء تطيعه ملائكة السماء قالوا ومن طاعة الملائكة لجبرئيل عليه السلام أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد صلى الله عليه واله أبوابها فدخلها ورأى ما فيها وأمر
__________________
(١) في المصدر : وقيدقوس وقادقوس.
(٢) في المصدر : يحدد.
(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٣.