وقيم من صفات الكتاب حال منه لا من صفة عوج وإن تباعد ما بينهما ومثله « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ » (١) فالمسجد الحرام هاهنا معطوف على الشهر الحرام أي يسألونك عن الشهر وعن المسجد الحرام وحكي عن بعض علماء أهل اللغة أنه قال العرب تلف الخبرين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأن السامع يرد إلى كل خبره كقوله عز وجل « وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » (٢) وهذا واضح في مذهب العرب كثير النظائر ثم قال تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » والمعنى أنهما لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه ويبلغ من نهيهما عنه وصدهما عن فعله واستعماله أن يقولا إنما نحن فتنة « فَلا تَكْفُرْ » باستعمال السحر والإقدام على فعله وهذا كما يقول الرجل ما أمرت فلانا بكذا ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له إنك إن فعلته أصابك كذا وكذا وهذا هو نهاية البلاغة في الكلام والاختصار الدال مع اللفظ القليل على المعاني الكثيرة لأنه أشعر بقوله تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » عن بسط الكلام الذي ذكرناه ولهذا نظائر في القرآن قال الله تعالى « مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ » (٣) ومثل قوله تعالى « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ » (٤) أي فيقال للذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم وأمثاله أكثر من أن نورد ثم قال تعالى « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » وليس يجوز أن يرجع الضمير على هذا الجواب إلى الملكين وكيف يرجع إليهما وقد نفى تعالى عنهما التعليم بل يرجع إلى
__________________
(١) البقرة : ٢١٧.
(٢) العنكبوت : ٧٣.
(٣) المؤمنون : ٩١.
(٤) آل عمران : ١٠٦.