متى أطلق ولم يقيد أفاد ذم فاعله قال تعالى « سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ » يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى وقال تعالى « يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » (١) وقد يستعمل مقيدا فيما يمدح ويحمد روي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه واله الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقال لعمرو خبرني عن الزبرقان فقال مطاع في ناديه شديد العارض مانع لما وراء ظهره قال الزبرقان هو والله يعلم أني أفضل منه فقال عمرو إنه زمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم الخال يا رسول الله صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت فقال رسول الله صلى الله عليه واله إن من البيان لسحرا. فسمى النبي صلى الله عليه واله بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل ويكشف عن حقيقته بحسن بيانه وبليغ عبارته.
فإن قيل : كيف يجوز أن يسمى ما يوضح الحق وينبئ عنه سحرا وهذا القائل إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر ولفظ السحر إنما يكون عند إخفاء الظاهر؟
قلنا : إنما سماه سحرا لوجهين الأول أن ذلك العذر (٢) للطفه وحسنه استمال القلوب فأشبه السحر الذي يستميل القلوب فمن هذا الوجه سمي سحرا لا من الوجه الذي ظننت. الثاني أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا وتقبيح ما يكون حسنا فذلك يشبه السحر من هذا الوجه في أقسام السحر.
واعلم أن السحر على أقسام : القسم الأول سحر الكلدانيين والكذابين (٣) الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة وهم الذين
__________________
(١) طه : ٦٦.
(٢) في المصدر : القدر.
(٣) في المصدر : الكلدانيين والسكدانيين.