أتم وأشد من المشاكلة بين نفوسنا وبين الأرواح السماوية وإما أن القوة الحاصلة بسبب الاتصال بالأرواح السماوية أقوى فلأن الأرواح السماوية بالنسبة إلى الأرواح الأرضية كالشمس بالنسبة إلى الشعلة والبحر بالنسبة إلى القطرة والسلطان بالنسبة إلى الرعية قالوا وهذه الأشياء وإن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال والإمكان ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد فهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن.
(النوع الرابع)
(من السحر التخيلات والأخذ بالعيون)
فهذا النوع مبني على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة فإن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركا وذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا والمتحرك يرى ساكنا والقطرة النازلة ترى خطا مستقيما والزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة والقبة ترى في الماء كالإجاصة والشخص الصغير يرى في الضباب عظيما وكبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته وارتفعت صغرت وأما رؤية العظيم من البعيد صغيرا فظاهر فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة.
وثانيها : أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدار فأما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم أدركت بعده محسوسا آخر وهكذا فإنه يختلط البعض بالبعض ولا يتميز بعض المحسوسات عن البعض ولذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه