إلا هذا القدر لكن هذه الصورة تنبيها على سائر الصور فإن استنامة المرء (١) إلى زوجه وركونه إليها معروف زائد على كل مودة فنبه بذكر ذلك على أن السحر إذا ما أمكن به هذا الأمر على شدته فغيره به أولى.
أما قوله « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ » فإنه يدل على ما ذكرناه لأنه أطلق الضرر ولم يقصره على التفريق بين المرء وزوجه فدل ذلك على أنه تعالى إنما ذكره لأنه أعلى مراتبه.
أما قوله « بِإِذْنِ اللهِ » فاعلم أن الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر ولأنه تعالى أراد عيبهم وذمهم ولو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه فلا بد من التأويل وفيه وجوه :
أحدها قال الحسن المراد منه التخلية يعني الساحر إذا سحر إنسانا فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلي بينه وبين ضرر السحر وثانيها قال الأصم المراد إلا بعلم الله وإنما سمي الأذان أذانا لأنه إعلام الناس وقت (٢) الصلاة وسمي الأذن أذنا لأن بالحاسة القائمة بذلك يدرك الإذن وكذلك قوله « وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ » أي إعلام وقوله « فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ » معناه فاعلموا وقوله « فَقُلْ آذَنْتُكُمْ » يعني أعلمتكم وثالثها أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله تعالى وإيجاده وإبداعه وما كان كذلك فإنه يصح أن يضاف إلى إذن الله تعالى كما قال « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » ورابعها أن يكون المراد بالإذن الأمر وهذا الوجه لا يليق إلا بأن يفسر التفريق بين المرء وزوجه بأن يصير كافرا والكفر يقتضي التفريق فإن هذا حكم شرعي وذلك لا يكون إلا بأمر الله.
أما قوله « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » ففيه مسائل :
المسألة الأولى إنما ذكر لفظ الشراء على سبيل الاستعارة لوجوه : أحدها
__________________
(١) في المصدر : استكانة المرء.
(٢) في المصدر : بوقت.