« وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » أي تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه (١) « وَلا يَسْتَحْسِرُونَ » أي لا يعبئون منها « لا يَفْتُرُونَ » حال من الواو في يسبحون.
« وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً » نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله « سُبْحانَهُ » تنزيه له عن ذلك « بَلْ عِبادٌ » أي بل هم عباد من حيث هم مخلوقون وليسوا بأولاد « مُكْرَمُونَ » مقربون « لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ » لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المقربين (٢) « وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » ولا يعملون قط ما لم يأمرهم به « يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ » لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا أو هو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنه لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم « وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ » من عظمته ومهابته « مُشْفِقُونَ » مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء والإشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس.
« وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ » أي من الملائكة أو من الخلائق « كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ » أي من ظلم بالإشراك وادعاء الربوبية وعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الملائكة لا ينافي عصمتهم فإن الفرض لا ينافي امتناع الوقوع كقوله تعالى « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » (٣).
« عَلَيْها » أي على النار « مَلائِكَةٌ » يلي أمرها وهم الزبانية « غِلاظٌ شِدادٌ » غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ » فيما مضى « وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به.
__________________
(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٤٢.
(٢) المؤدبين ( خ ).
(٣) الزمر : ٦٥.