أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (١) وهو سبحانه جعل للأشياء منافع وتأثيرات وخواص أودعها فيها وتأثيراتها مشروطة بإذن الله تعالى وعدم تعلق إرادته القاهرة بخلافها كما أنه أجرى عادته بخلق الإنسان من اجتماع الذكر والأنثى وتولد النطفة منهما وقرارها في رحم الأنثى وتدرجها علقة ومضغة وهكذا فإذا أراد غير ذلك فهو قادر على أن يخلق من غير أب كعيسى ومن غير أم أيضا كآدم وحواء وكخفاش عيسى وطير إبراهيم وغير ذلك من المعجزات المتواترة عن الأنبياء في إحياء الموتى وجعل الإحراق في النار فلما أراد غير ذلك قال للنار « كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » وجعل الثقيل يرسب في الماء وينحدر من الهواء فأظهر قدرته بمشي كثير على الماء ورفعهم إلى السماء وجعل في طبع الماء الانحدار فأجرى حكمه عليه بأن تقف أمثال الجبال منه في الهواء حتى تعبر بنو إسرائيل من البحر ومع عدم القول بذلك لا يمكن تصديق شيء من
__________________
(١) لا بأس بتذييل لهذا التتميم يجعل نفعه أعم وفائدته أتم ، فنقول :
هناك أمور لا مجال للارتياب فيها لمن له قدم في العلوم الإلهية :
( الأول ) كل ما سوى الله تعالى مخلوق له محتاج إليه في جميع شئونه الوجودية ، سواء في ذلك الشئون العلمية والارادية وغيرها.
( الثاني ) ان الله تعالى غنى عن جميع ما سواه ولا يحتاج إلى غيره في شيء أصلا ، وليس لقدرته تعالى حد ونهاية ، فهو القادر على كل أمر ممكن في ذاته وليس لقدرته على شيء من الأشياء شرط ولا مانع ، « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ ».
( الثالث ) كل ممكن في ذاته يستوى نسبته إلى الوجود والعدم ، ولا بد في ترجح أحدهما من مرجح وهذا حكم ضرورى لا يكاد يشك فيه عاقل فضلا عن الإنكار اللهم الا من لم يتصور طرفى القضية أو عرض له شبهة لم يستطع دفعها أو مكابر ينكر باللسان ما يعترف به قلبا. وهذا أساس جل براهين التوحيد بل المعارف الحقة.
( الرابع ) طريق معرفة العلل والمرجحات ـ سوى ما يعرفه الإنسان وجدانا وبالضرورة اختبار ارتباط وجود شيء بشيء وكشف حدود ذاك الارتباط ، وهذا من معرفة صنع الله تعالى وكشف مجارى مشيئته في خلقه ، لا من باب كشف شرائط قدرته تعالى على الأشياء فتفطن. ومن الواضح ان معرفة سبب ما لشيء لا تنفى سببية شيء آخر له وقد ثبت في محله ان هذا ليس.