الإنسان والملك ولا شك أن هذا القسم أشرف من القسم الثاني والثالث وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.
وتاسعها العالم العلوي أشرف من العالم السفلى وروح الإنسان من جنس الأرواح العلوية والجواهر القدسية وليس في موجودات العالم السفلى شيء حصل من العالم العلوي إلا الإنسان فوجب كون الإنسان أشرف موجودات العالم السفلي.
وعاشرها أشرف الموجودات هو الله تعالى وإذا كان كذلك فكل موجود كان قربه من الله أتم وجب أن يكون أشرف لكن أقرب موجودات هذا العالم من الله تعالى هو الإنسان بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة الله ولسانه مشرف بذكر الله وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة الله فوجب الجزم بأن أشرف موجودات هذا العالم السفلي هو الإنسان ولما ثبت أن الإنسان موجود ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للإنسان من المراتب العالية والصفات الشريفة فهي إنما حصلت بإحسان الله وإنعامه فلهذا المعنى قال تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ومن تمام كرامته على الله أنه لما خلقه في أول الأمر وصف نفسه بأنه أكرم فقال « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » ووصف نفسه بالتكريم عند تربية الإنسان فقال « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ووصف نفسه بالكرم في آخر الأحوال الإنسان فقال « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » وهذا يدل على أنه لا نهاية لكرم الله تعالى وتفضله وإحسانه مع الإنسان.
الحادي عشر قال بعضهم هذا التكريم معناه أنه تعالى خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون ومن كان مخلوقا بيدي الله كانت العناية به أتم فكان (١) أكرم وأكمل ولما جعلنا من أولاده وجب كون بني آدم أكرم وأكمل.
« وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » قال ابن عباس في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل وفي البحر على السفن وهذا أيضا من مؤكدات التكريم المذكور
__________________
(١) في بعض النسخ « أتم واكمل » وفي المصدر : كانت العناية به أتم وأكمل وكان أكرم وأكمل.