أولا لأنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل ويذب عن نفسه وكذلك تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرهما ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما (١) يختص به ابن آدم كل ذلك مما يدل على أن الإنسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع.
« وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » وذلك لأن الأغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكلا القسمين فإن الإنسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ وذلك مما لا يصلح إلا للإنسان « وَفَضَّلْناهُمْ » الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل.
« عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » لم يقل وفضلناهم على الكل فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شيء لا يكون الإنسان مفضلا عليه وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملائكة فلزم القول بأن الملك أفضل من الإنسان وهذا القول مذهب ابن عباس واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط.
واعلم أن هذا الكلام مشتمل على بحثين :
أحدهما أن الأنبياء أفضل أم الملائكة وقد سبق القول فيه في سورة البقرة.
والثاني أن عوام الملائكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل منهم من قال بتفضيل المؤمنين على الملائكة واحتجوا عليه بما روي عن زيد بن أسلم أنه قال قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا (٢) يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الآخرة فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان فقال أبو هريرة المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده. هكذا
__________________
(١) في المصدر : مما.
(٢) في المصدر : الدنيا.