كانَ ظَلُوماً » حيث لم يف بها ولم يراع حقها « جَهُولاً » بكنه عاقبتها وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب (١) انتهى.
وقال الطبرسي قدسسره إنه على وجه التقدير أجرى (٢) عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر معناه لو كانت السماوات والأرض والجبال عاقلة ثم عرضت عليها الأمانة وهي وظائف الدين أصولا وفروعا عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات والأرض فامتنعت من حملها.
والرابع أن معنى العرض والإباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلام بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد والعرب تقول سألت الربع وخاطبت الدار فامتنعت عن الجواب وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب والسؤال وتقول أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال وقال سبحانه « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » وخطاب من لا يفهم لا يصح فالأمانة على هذا ما أودع الله سبحانه السماوات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والإنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمه (٣) ويرجع إليه ما قيل المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته فيكون الإباء عنه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة للخيانة والتقصير.
والخامس ما قيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام فيها فهما (٤) وقال لها
__________________
(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٢) في المصدر : الا انه اجرى.
(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٧٤.
(٤) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا والظاهر « جعل فيها فهما ».