وذهب آخرون من أهل الديانات أن كل ما لا يعلم له في الطبيعة مجرى ولا يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد الله عز وجل وحكمته وليس للمد والجزر علة في الطبيعة البتة ولا قياس وقال آخرون ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع فإنك ترى صاحب الصفراء وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن ولذلك مواد تمدها حالا بعد حال فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا حتى تعود وذهب طائفة إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول وزعموا أن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما فإذا استحال عظم ماء البحر وفار (١) عند ذلك فإذا فار فاض وإذا فاض فهو المد فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء فعاد (٢) إلى ما كان عليه وهو الجزر وهو دائم لا يفتر متصل مترادف متعاقب لأن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر لأن القمر إذا امتلأ استحال ماء أكثر مما كان يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد لا للمد نفسه لأنه قد يكون والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في أغلب الأوقات وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر ويختلف إلى جزائره أن المد والجزر لا يكون في معظم هذا البحر إلا مرتين في السنة مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما والى ذلك الصقع ومرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر وإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر والجزر بالصين وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية وتقل المياه في جهة (٣) البحور الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسار (٤) الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسأل (٥) معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية
__________________
(١) في المصدر : وفاض عند ذلك ، وإذا فاض البحر فهو المد.
(٢) في المصدر : يتنفس فيستحيل هواء فيعود ...
(٣) في المصدر : البحار.
(٤ و ٥) في المصدر : سال.