قلت المياه في الجهة الجنوبية وتنقل (١) ماء البحر في هذين الميلين أعني في جهة (٢) الشمال والجنوب يسمى جزرا ومدا (٣) وذلك أن مد الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلان وقوي الحر واشتد لذلك (٤) انقلاب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس وهذا رأي الكندي وأحمد بن الخصيب السرخسي في ما حكي عنهما (٥) أن البحر يتحرك بتحرك الرياح (٦) انتهى.
وجملة القول فيه أن نهر البصرة والأنهار المقاربة له يمد في كل يوم وليلة مرتين ويدور ذلك في اليوم والليلة ولا يخص وقتا كطلوع الشمس وغروبها وارتفاعها وانخفاضها ويسمى ذلك بالمد اليومي ويكون المد عند زيادة نور القمر أشد ويسمى ذلك بالمد الشهري وهذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في الغالب بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر لكن الظاهر أنه لو كانت العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر وتأثيره في البحر والظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى وعلى تقدير صحة استناده إليه فلا ريب في بطلان ما جعله القائل الأول مناطا له من سخونة البحر بنور القمر لأنه مجانس للماء وكذا سخونة الجو به بل ربما يدعى أن نور القمر يبرد الجو والأجسام كما هو المجرب نعم ربما يجوز العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة والارتباط بين نوره وبين الماء وإن لم نعلمها بخصوصها لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط المقارنة (٧) والتأخر على الوجه المذكور وأما المد اليومي فبطلان استناده إلى القمر واضح واستناده
__________________
(١) في المصدر : ينتقل.
(٢) في المصدر : جهتى.
(٣) في المصدر : ومدا شتويا.
(٤) في المصدر : واشتد لذلك سيلان الهواء فاشتد لذلك انقلاب ...
(٥) في المصدر : فى ما حكاه عنه.
(٦) مروج الذهب : ج ١ ، ص ٦٨ ـ ٧٠.
(٧) أو ( خ ).