في الحركات وفي كيفيتها في الجهة وفي السرعة والبطء ثم بعد تكون الحنطة لا بد من آلات الطحن والخبز وهي لا تحصل إلا عند تولد الحديد في أرحام الجبال ثم إن الآلات الحديدية لا يمكن إصلاحها إلا بآلات أخرى حديدية سابقة عليها ولا بد من انتهائها إلى آلة حديدية هي أول هذه الآلات فتأمل أنها كيف تكونت على الأشكال المخصوصة ثم إذا حصلت تلك الآلات فانظر أنه لا بد من اجتماع العناصر الأربعة وهي الأرض والماء والهواء والنار حتى يمكن طبخ الخبز من ذلك الدقيق فهذا هو النظر في ما تقدم على هذه اللقمة.
أما النظر في ما بعد حدوثها فتأمل في تركيب بدن الحيوان وهو أنه تعالى كيف خلق هذه الأبدان حتى يمكنها الانتفاع بتلك اللقمة وأنه كيف يتضرر الحيوان في الأكل (١) وفي أي الأعضاء تحدث تلك المضار ولا يمكنك أن تعرف القليل من هذه الأشياء إلا بمعرفة علم التشريح وعلم الطب بالكلية فظهر بما ذكرنا أن الانتفاع باللقمة الواحدة لا يمكن معرفته إلا بمعرفة جملة هذه الأمور والعقول قاصرة عن إدراك ذرة من هذه المباحث فظهر بالبراهين (٢) الباهرة صحة قوله تعالى « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » (٣) انتهى كلامه.
وأقول يمكن سلوك طريق آخر في ذلك أدق وأوسع مما ذكره بأن يقال بعد أن عرفت النعم التي على إنسان واحد كزيد مثلا من السماوات والكواكب والعرش والكرسي وجميع الأرضيات فإن لها جميعا مدخلا في وجوده وبقائه ونموه فنقول جميع هذه النعم متعلقة بعمرو أيضا لمدخليتها في وجوده وبقائه أيضا وكل هذه أيضا نعمة لزيد لتوقف وجود زيد وبقائه على وجود عمرو لكون الإنسان مدنيا بالنوع وكذا بالنسبة إلى بكر وخالد وكذا كل نعمة لله على كل حيوان من الحيوانات التي لها مدخل في نظام أحوال الإنسان فهي نعمة على زيد مرة
__________________
(١) فيه : بالاكل.
(٢) في المصدر : بهذا البرهان القاهر.
(٣) مفاتيح الغيب : ج ١٩ ، ص ١٢٩ ـ ١٣٠.