بل لا بد من المشاركة حتى يخبز هذا لذاك وينسج ذاك لهذا فلهذه الأسباب احتاج الإنسان إلى أن تكون له قدرة على أن يعرف الآخر الذي هو شريكه ما في نفسه بعلامة وضعية وهي أقسام فالأول أصلحها وأشرفها الأصوات المركبة والسبب في شرفها أن بدن الإنسان لا يتم ولا يكمل إلا بالقلب الذي هو معدن الحرارة الغريزية ولا بد من وصول النسيم البارد إليه ساعة فساعة حتى يبقى على اعتداله ولا يحترق فخلقت آلات في بدنه بحيث يقدر الإنسان على استدخال النسيم البارد في قلبه فإذا مكث ذلك النسيم لحظة تسخن وفسد فوجب إخراجه فالصانع الحكيم جعل النفس الخارج سببا لحدوث الصوت فلا جرم سهل تحصيل الصوت بهذا الطريق ثم إن ذلك الصوت سهل تقطيعه في المحابس المختلفة فحصلت هيئات مخصوصة بسبب تقطيع ذلك الصوت في تلك المحابس وتلك الهيئات المخصوصة هي الحروف فحصلت الحروف والأصوات بهذا الطريق ثم تركب الحروف فحصلت الكلمات بهذا الطريق ثم جعلوا كل كلمة مخصوصة معرفة لمعنى مخصوص فلا جرم صار تعريف المعاني المخصوصة بهذا الطريق في غاية السهولة من وجوه الأول أن إدخالها في الوجود في غاية السهولة والثاني أن تكون الكلمات الكثيرة الواقعة في مقابلة المعلومات الكثيرة في غاية السهولة والثالث أن عند الحاجة إلى التعريف تدخل في الوجود وعند الاستغناء عن ذكرها تعدم لأن الأصوات لا تبقى.
والقسم الثاني من طرق التعريف الإشارة والنطق أفضل بوجوه الأول أن الإشارة إنما تكون إلى موجود حاضر عند المشير محسوس وأما النطق فإنه يتناول المعدوم ويتناول ما لا يصح الإشارة إليه ويتناول ما يصح الإشارة إليه أيضا والثاني أن الإشارة عبارة عن تحريك الحدقة إلى جانب معين فالإشارة نوع واحد أو نوعان فلا يصح لتعريف الأشياء المختلفة بخلاف النطق فإن الأصوات والحروف البسيطة والمركبة كثيرة والثالث أنه إذا أشار إلى شيء فذلك الشيء ذات قامت به صفات كثيرة فلا يعرف بسبب تلك الإشارة أن المراد تعريف الذات وحدها أو الصفة الفلانية