أو الصفة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو المجموع وأما النطق فإنه واف بتعرف كل واحدة من هذه الأحوال بعينها.
والقسم الثالث : الكتابة وظاهر أن المئونة في إدخالها في الوجود صعبة ومع ذلك فإنها مفرعة على النطق وذلك لأنا لو افتقرنا إلى أن نضع لتعريف كل معنى من المعاني البسيطة والمركبة نقشا لافتقرنا إلى حفظ نقوش غير متناهية وذلك غير ممكن فدبروا فيه طريقا لطيفا وهو أنهم وضعوا بإزاء كل واحد من الحروف النطقية البسيطة نقشا خاصا ثم جعلوا النقوش المركبة في مقابلة الحروف المركبة فسهلت المئونة في الكتابة بهذا الطريق إلا أن على هذا التقدير صارت الكتابة مفرعة على النطق إلا أنه حصل في الكتابة منفعة عظيمة وهي أن عقل الإنسان الواحد لا يفي باستنباط العلوم الكثيرة فالإنسان الواحد إذا استنبط مقدارا من العلم وأثبته في الكتاب بواسطة الكتابة فإذا جاء بعده إنسان آخر ووقف عليه قدر على استنباط أشياء أخر زائدة على ذلك الأول فظهر أن العلوم إنما كثرت بإعانة الكتابة. فلهذا قال عليهالسلام قيدوا العلم بالكتابة. فهذا بيان حقيقة النطق والإشارة والكتابة.
البحث الثاني : مما يتعلق بهذا الباب أن المشهور أنه يقال في حد الإنسان إنه حيوان ناطق فقال بعضهم إن هذا التعريف باطل طردا وعكسا أما الطرد فلأن بعض الحيوانات قد تنطق وأما العكس فهو بعض الناس لا ينطق فأجيب عنه بأن المراد منه النطق العقلي ولم يذكروا لهذا النطق العقلي تفسيرا ملخصا فنقول الحيوان نوعان منه ما إذا عرف شيئا فإنه لا يقدر على أن يعرف غيره حال نفسه مثل البهائم وغيرها فإنها إذا وجدت من نفسها أحوالا مخصوصة لا تقدر على أن تعرف غيرها تلك الأحوال وأما الإنسان فإذا وجد من نفسه حالة مخصوصة قدر على أن يعرف غيره تلك الحالة الموجودة في نفسه فالناطق الذي جعل فصلا مقوما هو هذا المعنى والسبب فيه أن أكمل طرق التعريف هو النطق فعبر عن هذه القدرة بأكمل الطرق الدالة عليها وبهذا التقرير فإن تلك السؤال لا يتوجه والله أعلم بالصواب.