الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحدا ذهب إلى ذلك.
أقول : ثم ذكر حججا عقلية طويلة الذيل على إثبات النفس ومغايرتها للبدن.
منها : أن النفس واحدة ومتى كانت واحدة وجب أن تكون مغايرة لهذا البدن ولكل واحد من أجزائه أما كونها واحدة فتارة ادعى البداهة فيه وتارة استدل عليه بوجوه منها أنا إذا فرضنا جوهرين مستقلين يكون كل واحد منهما مستقلا بفعله الخاص امتنع أن يصير اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا لاشتغال الآخر بفعله الخاص به وإذا ثبت هذا فنقول لو كان محل الإدراك والفكر جوهرا ومحل الغضب جوهرا آخر ومحل الشهوة جوهرا ثالثا وجب أن لا يكون اشتغال القوة الغضبية بفعلها مانعا للقوة الشهوانية من الاشتغال بفعلها ولا بالعكس لكن التالي باطل فإن اشتغال الإنسان بالشهوة وانصبابه إليها يمنعه من الاشتغال بالغضب والانصباب إليه وبالعكس فعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة ليست مبادئ مستقلة بل هي صفات مختلفة لجوهر واحد فلا جرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الأفعال عائقا له عن الاشتغال بالفعل الآخر.
ومنها : أن حقيقة الحيوان أنه جسم ذو نفس حساسة متحركة بالإرادة فالنفس لا يمكنها أن تتحرك بالإرادة إلا عند حصول الداعي ولا معنى للداعي إلا الشعور بخير يرغب في جذبه أو بشر يرغب في دفعه وهذا يقتضي أن يكون المتحرك بالإرادة هو بعينه مدركا للخير والشر والملذ والموذي والنافع والضار فثبت بما ذكرنا أن النفس الإنسانية شيء واحد وثبت أن ذلك الشيء هو المبصر والسامع والشام والذائق واللامس والمتخيل والمتفكر والمتذكر والمشتهي والغاضب وهو الموصوف بجميع الإدراكات لكل المدركات وهو الموصوف بجميع الأفعال الاختيارية والحركات الإرادية.
ثم قال : وأما المقدمة الثانية فهي في بيان أنه لما كانت النفس شيئا واحدا وجب أن لا يكون النفس هذا البدن ولا شيئا من أجزائه وأما امتناع كونها جملة هذا البدن فتقريره أنا نعلم بالضرورة أن القوة الباصرة غير سارية في كل البدن