وكذا القوة السامعة وكذا سائر القوى كالتخيل والتذكر والتفكر والعلم بأن هذه القوى غير سارية في جملة أجزاء البدن علم بديهي بل هو من أقوى العلوم البديهية وأما بيان أنه يمتنع أن يكون النفس جزءا من أجزاء البدن فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس في البدن جزء واحد هو بعينه موصوف بالإبصار والسماع والفكر والذكر بل الذي يتبادر إلى الخاطر أن الإبصار مخصوص بالعين لا بسائر الأعضاء والسماع مخصوص بالأذن لا بسائر الأعضاء والصوت مخصوص بالحلق لا بسائر الأعضاء وكذلك القول في سائر الإدراكات وسائر الأفعال فأما أن يقال إنه حصل في البدن جزء واحد موصوف بكل هذه الإدراكات وكل هذه الأفعال فالعلم الضروري حاصل أنه ليس الأمر كذلك فثبت بما ذكرناه أن النفس الإنسانية شيء واحد موصوف بجملة هذه الإدراكات وبجملة هذه الأفعال وثبت بالبديهة أن جملة البدن ليست كذلك وثبت أيضا أن شيئا من أجزاء البدن ليس كذلك فحينئذ يحصل اليقين بأن النفس شيء مغاير لهذا البدن ولكل واحد من أجزائه وهو المطلوب.
ولنقرر هذا البرهان بعبارة أخرى نقول إنا نعلم بالضرورة أنا إذا أبصرنا شيئا عرفناه وإذا عرفناه اشتهيناه وإذا اشتهيناه حركنا أبداننا إلى القرب منه فوجب القطع بأن الذي أبصر هو الذي عرف وأن الذي عرف هو الذي اشتهى وأن الذي اشتهى هو الذي حرك إلى القرب منه فيلزم القطع بأن المبصر لذلك الشيء والعارف به والمشتهي إليه والمحرك إلى القرب منه شيء واحد إذ لو كان المبصر شيئا والعارف شيئا ثانيا والمشتهي شيئا ثالثا والمحرك شيئا رابعا لكان الذي أبصر لم يعرف والذي عرف لم يشته والذي اشتهى لم يحرك لكن من المعلوم أن كون شيء مبصرا لشيء لا يقتضي صيرورة شيء آخر عالما بذلك الشيء وكذلك القول في سائر المراتب وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أن الرائي للمرئيات أنا وأني لما رأيتها عرفتها ولما عرفتها اشتهيتها ولما اشتهيتها طلبتها وحركت الأعضاء إلى القرب منها ونعلم أيضا بالضرورة أن الموصوف بهذه الرؤية وبهذا العلم وبهذه الشهوة وبهذا التحريك أنا لا غيري.
وأيضا العقلاء قالوا الحيوان لا بد وأن يكون حساسا متحركا بالإرادة