من جنس الأجسام بل هو جوهر قدسي مجرد واعلم أن أكثر العارفين الكاملين من أصحاب الرياضات وأصحاب المكاشفات والمشاهدات مصرون على هذا القول جازمون بهذا المذهب.
ثم قال واحتج المنكرون بوجوه :
الحجة الأولى : لو كانت مساوية لذات الله تعالى في كونه ليس بجسم ولا عرض لكان مساويا له في تمام الماهية وذلك محال.
الثانية : قوله تعالى « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » إلى قوله « ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » وهذا تصريح بأن الإنسان شيء مخلوق من نطفة وأنه يموت ويدخل القبر ثم أنه تعالى يخرجه من القبر ولو لم يكن الإنسان عبارة عن هذه الجثة لم تكن الأحوال المذكورة في هذه الآية صحيحة.
الثالثة : قوله تعالى « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً » إلى قوله « يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ » وهذا يدل على أن الروح جسم لأن الارتزاق والفرح من صفات الأجسام.
والجواب عن الأول : أن المساواة في أنه ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز مساواة في صفات سلبية والمساواة في الصفات السلبية لا توجب المماثلة واعلم أن جماعة من الجهال يظنون أنه لما كان الروح موجودا ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز وجب أن يكون مثلا للإله أو جزءا من الإله وذلك جهل فاحش وغلط قبيح وتحقيقه ما ذكرنا من أن المساواة في السلوب لو أوجبت المماثلة لوجب القول باستواء كل المختلفات فإن كل ماهيتين مختلفتين لا بد وأن يشتركا في سلب كل ما عداهما عنهما.
والجواب عن الثاني : أنه لما كان الإنسان في العرف والظاهر عبارة عن هذه الجثة أطلق عليه اسم الإنسان وأيضا فلقائل أن يقول هب أنا نجعل اسم الإنسان عبارة عن هذه الجثة إلا أنا قد دللنا على أن محل العلم والقدرة ليس هو هذه الجثة.