والجواب عن الثالث : أن الرزق المذكور في الآية محمول على ما يقوي حالهم ويكمل كمالهم وهو معرفة الله ومحبته بل نقول هذا من أدل الدلائل على صحة قولنا لأن أبدانهم قد بليت تحت التراب والله تعالى يقول إن أرواحهم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهذا يدل على أن الروح غير البدن (١).
وقال في قوله سبحانه « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » فيه قولان :
الأول أنه إنما قال « عَلى قَلْبِكَ » وإن كان إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ والمرسول (٢) متمكن في قلبه لا يجوز عليه التغير فيوثق عليه بالإنذار الواقع مع (٣) الذي بين الله تعالى أنه المقصود ولذلك قال « لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ».
الثاني أن القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار وأما سائر الأعضاء فمسخرة له والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول أما القرآن فآيات إحداها في سورة البقرة « نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ » (٤) وقال هاهنا « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » وقال « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (٥) وثانيها أن استحقاق الجزاء ليس إلا على ما في القلب من المساعي فقال « لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ » (٦) وقال « لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » (٧) والتقوى في القلب لأنه تعالى قال « أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » (٨) وقال تعالى « وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ » (٩) وثالثها قوله حكاية عن
__________________
(١) مفاتيح الغيب : ج ٢١ ، ص ٥٣.
(٢) في المصدر : للرسول.
(٣) فيه : منه.
(٤) البقرة : ٩٧.
(٥) ق : ٣٧.
(٦) البقرة : ٢٢٥.
(٧) الحج : ٣٧.
(٨) الحجرات : ٣.
(٩) العاديات : ١٠.