الرابع أن القلب هو أول الأعضاء تكونا وآخرها موتا وقد ثبت ذلك بالتشريح ولأنه متمكن في الصدر الذي هو الأوسط في الجسد ومن شأن الملوك المحتاجين إلى الخدم أن يكونوا في وسط المملكة لتكتنفهم الحواشي من الجوانب ليكونوا أبعد من الآفات.
واحتج من قال العقل في الدماغ بوجوه أحدها أن الحواس التي هي الآلات للإدراك نافذة إلى الدماغ دون القلب وثانيها أن الأعضاء (١) التي هي آلات الحركات الاختيارية نافذة من الدماغ دون القلب وثالثها أن الآفة إذا دخلت في الدماغ اختل العقل ورابعها أن في العرف كل من أريد وصفه بقلة العقل يقال إنه خفيف الدماغ خفيف العقل (٢) وخامسها أن العقل أشرف فيكون مكانها أشرف والأعلى هو الأشرف وذلك هو الدماغ لا القلب فوجب أن يكون محل العقل الدماغ لا القلب.
والجواب عن الأول : لم لا يجوز أن يقال الحواس تؤدي آثارها إلى الدماغ ثم إن الدماغ يؤدي تلك الآثار إلى القلب والدماغ آلة قريبة للقلب (٣) والحواس آلة بعيدة والحس يخدم الدماغ والدماغ يخدم القلب وتحقيقه أنا ندرك من أنفسنا أنا إذا عقلنا أن الأمر الفلاني يجب فعله أو يجب تركه فإن الأعضاء تتحرك عند ذلك ونحن (٤) عند التعقلات نحس من جانب الدماغ.
وعن الثاني أنه لا يبعد أن يتأدى الأثر من القلب إلى الدماغ ثم الدماغ يحرك الأعضاء بواسطة الأعصاب النابتة منه.
وعن الثالث لا يبعد أن تكون سلامة الدماغ شرطا لوصول تأثير القلب إلى سائر الأعضاء.
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر « الأعصاب » وهو الصواب.
(٢) في المصدر : خفيف الرأس.
(٣) للعقل ( خ ).
(٤) كذا ، وفي المصدر « ونحن نجد التعقلات من جانب القلب لا من جانب الدماغ.