وعن الرابع : أن ذلك العرف إنما كان لأن القلب إنما يعتدل مزاجه بما يستمده من الدماغ من برودته فإذا لحق الدماغ خروج عن الاعتدال خرج القلب عن الاعتدال أيضا إما لزيادة حرارته عن القدر الواجب أو لنقصان حرارته عن ذلك القدر فحينئذ يختل العقل.
وعن الخامس : أنه لو صح ما قالوه لوجب أن يكون موضع القلب هو القحف (١) ولما بطل ذلك ثبت فساد قولهم (٢) انتهى.
وأقول بعد تسليم مقدمات دلائله وعدم التعرض لتزييفها ومنعها إنما تدل على أن الروح غير البدن وأجزائه والحواس الظاهرة والباطنة ولا تدل على تجردها لم لا يجوز أن تكون جسما لطيفا من عالم الملكوت تتعلق بالبدن أو تدخله وتخرج عند الموت وتبقى محفوظة إلى النشور كما سنحققه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى « اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » قال الطبرسي قدس الله سره أي يقبضها إليه وقت موتها وانقضاء آجالها والمعنى حين موت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف « وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها » أي يتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز فهي التي تفارق النائم فلا يعقل والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت أن قبض النوم يضاد اليقظ وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم يكون الروح معه وقبض الموت يخرج الروح من البدن « فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ » إلى يوم القيامة « وَيُرْسِلُ الْأُخْرى » يعني الأنفس التي لم يقض على موتها يريد نفس النائم « إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » قد سمي لموته « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ » أي دلالات واضحات على توحيد الله وكمال قدرته « لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » في الأدلة إذ لا يقدر على قبض النفوس تارة بالنوم وتارة بالموت غير الله تعالى قال ابن عباس في بني آدم نفس و
__________________
(١) القحف ـ بكسر القاف ـ : عظيم فوق الدماغ.
(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٣ ، ص ١٦٦ ـ ١٦٨.