ولأن غير الإنسان من الحيوانات يدرك الجزئيات مع أن الاتفاق على أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة.
ورد بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس بل النفس بواسطته ونحن لا ننازع في أن المدرك للكليات والجزئيات هو النفس لكن للكليات بالذات وللجزئيات بالآلات وإذا لم نجعل العضو مدركا أصلا لا يلزم أن يكون الإدراك مرتين والإنسان مدركين على ما قيل.
ويمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الأخر وإما جعل إحساساتها للقوى والأعضاء وإحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت (١).
الثاني : أن كل واحد منا يعلم قطعا أن المشار إليه بأنا وهو النفس يتصف بأنه حاضر هناك وقائم وقاعد وماش وواقف ونحو ذلك من خواص الأجسام والمتصف بخاصة الجسم جسم وقريب من ذلك ما يقال إن للبدن إدراكات هي بعينها إدراكات المشار إليه بأنا أعني النفس مثل إدراك حرارة النار وبرودة الجمد وحلاوة العسل وغير ذلك من المحسوسات فلو كانت النفس مجردة أو مغايرة للبدن امتنع أن تكون صفتها غير صفته.
والجواب : أن المشار إليه بأنا وإن كان هو النفس على الحقيقة لكن كثيرا ما يشار به إلى البدن أيضا لشدة ما بينهما من التعلق فحيث يوصف بخواص الأجسام
__________________
(١) ثبوت مرتبة من التجرد لنفوس سائر الحيوانات مثل ما تثبت لنفوس الاطفال مما لا ينفيه برهان إن لم يكن مما يثبته : واما دعوى القطع بعدم الفرق بين ادراك الإنسان وسائر الحيوانات فغير مقبولة ، فان القطع لو حصل فانما يحصل بمشابهة مبادئ الاحساس في جميع الحيوانات ، واما عدم اتحاد بعض هذه المبادى بمبدإ أقوى وأكمل في بعضها ـ وهو لنفس الناطقة في الإنسان ـ فمما لا يسمع دعوى القطع فيه. والافعال الصادرة من الإنسان كلها مستندة الى النفس ، ومنها ما يشترك بينها وبين النبات ، فهل يصح دعوى القطع بعدم التفاوت بين الافعال المشتركة بينهما؟.