فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » (١) فأخبر تعالى أنه غير الصورة وأنه مركب فيها ولو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » معنى لأن المركب في الشيء غير الشيء المركب فيه ومحال أن تكون الصورة مركبة في نفسها وعينها لما ذكرناه وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس (٢) « قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي » (٣) فأخبر أنه حي ناطق منعم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها وقال تعالى « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ » (٤) فأخبر أنهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض مواتا لا حياة فيها وروي عن الصادقين عليهمالسلام أنهم قالوا إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها الله تعالى في مثل أجسادهم التي فارقوها فينعمهم في جنة وأنكروا ما ادعته العامة من أنها تسكن في حواصل الطيور الخضر وقالوا المؤمن أكرم على الله من ذلك ولنا على المذهب الذي وصفناه أدلة عقلية لا يطعن المخالف فيها ونظائر لما ذكرناه من الأدلة السمعية وبالله أستعين انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وقال الغزالي في الأربعين الروح هي نفسك وحقيقتك وهي أخفى الأشياء عليك وأعنى بنفسك روحك التي هي خاصة الإنسان المضافة إلى الله تعالى بقوله « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (٥) وقوله « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » (٦) دون الروح الجسماني اللطيف الذي هو حامل قوة الحس والحركة التي تنبعث من القلب وتنتشر في جملة البدن في تجويف العروق والضوارب فيفيض منها نور حس البصر على العين ونور السمع على الأذن وكذلك سائر القوى والحركات والحواس كما يفيض من السراج
__________________
(١) الانفطار : ٦ ـ ٨.
(٢) كذا.
(٣) يس : ٢٦ ـ ٢٧.
(٤) آل عمران : ١٦٩.
(٥) الإسراء : ٨٥.
(٦) الحجر : ٢٩.