نور على حيطان البيت إذا أدير في جوانبه فإن هذه الروح تتشارك البهائم فيها وتنمحق بالموت لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال مزاج الأخلاط فإذا انحل المزاج بطل كما يبطل النور الفائض من السراج عند إطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فيه وانقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الروح لأن الغذاء له كالدهن للسراج والقتل له كالنفخ في السراج وهذه الروح هي التي يتصرف في تقويمها وتعديلها علم الطب ولا تحمل هذه الروح المعرفة والأمانة بل الحامل للأمانة الروح الخاصة للإنسان ونعني بالأمانة تقلد عهدة التكليف بأن تعرض لخطر الثواب والعقاب بالطاعة والمعصية.
وهذه الروح لا تفنى ولا تموت بل تبقى بعد الموت إما في نعيم وسعادة أو في جحيم وشقاوة فإنه محل المعرفة والتراب لا يأكل محل المعرفة والإيمان أصلا وقد نطقت به الأخبار وشهدت له شواهد الاستبصار ولم يأذن الشارع في تحقيق صفته إلى أن قال وهذه الروح لا تفنى ولا تموت بل يتبدل بالموت حالها فقط ولا يتبدل منزلها والقبر في حقها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إذ لم يكن لها مع البدن علاقة سوى استعمالها للبدن أو اقتناصها أوائل المعرفة بواسطة شبكة الحواس فالبدن آلتها ومركبها وشبكتها وبطلان الآلة والشبكة والمركب لا يوجب بطلان الصائد نعم إن بطلت الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة إذ يتخلص من حمله وثقله ولذا قال عليهالسلام تحفة المؤمن الموت وإن بطلت الشبكة قبل الصيد عظمت فيه الحسرة والندامة والألم ولذلك يقول المقصر « رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ » (١) « كَلاَّ » بل من كان ألف الشبكة وأحبها وتعلق قلبه بحسن صورتها وصنعتها وما يتعلق بسببها كان له من العذاب ضعفين (٢) أحدهما حسرة فوات الصيد الذي لا يقتنص إلا بشبكة البدن والثاني زوال الشبكة مع تعلق القلب بها وإلفه لها وهذا مبدأ من مبادئ معرفة عذاب القبر انتهى.
__________________
(١) المؤمنون : ١٠١.
(٢) ضعفان ، ظ.