لا ينخرق (١) كأنه استنبط بقياس هندسي ثم هو في دائرة مسدسة لا يوجد فيها اختلاف فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة وذلك لأن الأشكال من الثلاث إلى العشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينها خروج إلا الشكل المسدس فإنه إذا اجتمع إلى أمثاله اتصل كأنه قطعة واحدة وكل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا فكرة (٢) بل ذلك من أثر صنع اللطيف الخبير وإلهامه إياها كما قال تعالى : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » الآية.
فتأمل كمال طاعتها وحسن امتثالها لأمر ربها كيف اتخذت بيوتا في هذه الأمكنة الثلاثة الجبال والشجر وبيوت الناس حيث يعرشون أي حيث يبنون العروش فلا ترى للنحل بيتا في غير هذه الثلاثة البتة وتأمل كيف كانت أكثر بيوتها في الجبال وهي المتقدمة في الآية ثم الأشجار وهي دون ذلك ثم فيما يعرش الناس وهي أقل بيوتها فانظر كيف أداها حسن الامتثال إلى أن اتخذت البيوت قبل المرعى وهي تتخذها أولا فإذا استقر لها بيت خرجت عنه فرعت وأكلت من كل الثمرات ثم آوت إلى بيوتها لأن ربها سبحانه وتعالى أمرها باتخاذ البيوت أولا ثم بالأكل بعد ذلك.
قال في الإحياء انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل وجعل أحدهما ضياء والآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار واحترازها من النجاسات والأقذار وطاعتها لواحد من جملتها وهو أكثرها شخصا وهو أميرها ثم ما سخر الله سبحانه وتعالى أميرها من العدل والإنصاف بينها حتى أنه ليقتل على باب المنفذ كل
__________________
(١) في المصدر : لا ينحرف.
(٢) في المصدر : ولا بركار.