وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من قصتها.
وأما قوله : « لَأُعَذِّبَنَّهُ » أراد تعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه وقيل كان عذاب سليمان عليهالسلام للطير أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه ممعطا (١) لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض وهو أظهر الأقاويل وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس وقيل أن يلقى للنمل تأكله وقيل إيداعه القفص وقيل التفريق بينه وبين إلفه وقيل إلزامه صحبة الأضداد وعن بعضهم أنه قال أضيق السجون صحبة الأضداد وقيل حبسه مع غير جنسه وقيل إلزامه خدمة أقرانه وقيل تزويجه عجوزا.
فإن قلت من أين حل تعذيب الهدهد قلت يجوز أن يبيح الله له ذلك كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع.
حكى القزويني أن الهدهد قال لسليمان عليهالسلام أريد أن تكون في ضيافتي قال أنا وحدي قال لا بل أنت وأهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا فحضر سليمان بجنوده فطار الهدهد فاصطاد جرادة وخنقها ورمى بها في البحر وقال كلوا يا نبي الله من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولا كاملا.
وقال عكرمة إنما صرف سليمان عليهالسلام عن ذبح الهدهد لأنه كان بارا بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما في حالة كبرهما.
قال الجاحظ هو وفاء حفوظ ودود وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب طعم ولا غيره ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه فإن حدث حادث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبدا ولم يزل صائحا عليها ما عاش ولم يشبع أبدا من طعم بل يناله منه ما يمسك رمقه إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه يسيرا.
وفي الكامل وشعب الإيمان للبيهقي أن نافعا سأل ابن عباس فقال سليمان عليهالسلام مع ما خوله الله تعالى من الملك كيف عني بالهدهد مع صغره فقال ابن عباس إنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت الأرض له كالزجاج فقال ابن الأزرق
__________________
(١) معط الريش : نتفه.