قال « فكبكبوا فيها هم والغاوون » أي الالهة وعبدتهم « والكبكبة » تكرير الكب لتكرير معناه ، كأن من القي في النار ينكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في قعرها « وجنود إبليس » قيل متبعوه من عتاة الثقلين أو شياطينه « أجمعون » تأكيد للجنود إن جعل مبتدءا خبره ما بعده ، أو للضمير وما عطف عليه وكذا الضمير المنفصل ، و مايعود إليه في قوله « قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين » على أن الله ينطق الاصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله « إذ نسويكم برب العالمين » أي في استحقاق العبادة ، ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما في قالوا ، والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة ، والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها. كذا ذكره البيضاوي في تفسير تلك الايات (١) فقوله عليهالسلام « يعني المشركين » هو خبر لقوله « قوله » بحذف العائد أي يعني به ، والمعنى أن المراد بالمجرمين المشركون الذين اتبعتهم هؤلاء القائلون على شركهم ، وكلاهما من امة محمد صلىاللهعليهوآله « وتصديق ذلك » أي تصديق أن المراد بهم المشركون من هذه الامة أن الله تعالى ذكر بعد تلك الايات أحوال المشركين وعبدة الاوثان ، من كل امة ، ولم يدخل فيهم اليهود والنصارى فالظاهر أن يكون المراد هنا أيضا طائفة مخصوصة وليس هم اليهود والنصارى لقوله تعالى سابقا « فكبكبوا فيها هم والغاوون » لدلالته على أن معبوديهم في النار ، فلم يبق إلا أن يكونوا من هذه الامة أو يكتفى بالوجه الاول ، ويقال لما كان الظاهر من الايات اللاحقة اختصاص الكلام بعبدة الاوثان فالظاهر هنا أيضا أن يكون المراد به من هو من جنسهم ، ولم يبق من الامم المشهورة الذين تعرض الله لذكرهم في القرآن إلا هذه الامة ، فهم المرادون به.
وقوله : « كذبت قبلهم قوم نوح » (٢) كأنه نقل بالمعنى ، لان تلك الايات
____________________
(١) أنوار التنزيل ص ٣٠٩.
(٢) الشعراء : ١٠٥.