واجبا لم يكن منهيا عنه ، واجيب عن الاول بأن المراد الجدال بالباطل كما في قوله تعالى « وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق » (١) لا الجدال بالحق لقوله تعالى « وجادلهم بالتي هي أحسن » (٢) فالامر بذلك يدل على أن الجدال مطلقا ليس منهيا عنه ، وعن الثاني بأن نهيهم عن الكلام في مسألة القدر على تقدير تسليمه لايدل على النهي عن مطلق النظر ، بل عنه في مسألة القدر ، كيف وقد ورد الانكار على تارك النظر في قوله تعالى « أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله » (٣) وقد أثنى على فاعله في قوله « ويتفكرون في خلق السموات والارض » (٤) على أن نهيهم عن الخوض في القدر لعله لكونه أمرا غيبيا وبحرا عميقا كما أشار إليه علي عليهالسلام بقوله « بحر عميق فلا تلجه » بل كان مراد النبي صلىاللهعليهوآله التفويض في مثل ذلك إلى الله تعالى لان ذلك ليس من الاصول التي يجب اعتقادها ، والبحث عنها مفصلة.
وهيهنا جواب آخر عنهما معا ، وهو أن النهي في الاية والحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل على النهي عن الجدال الذي لايكون إلا عن متعدد بخلاف النظر فانه يكون من واحد ، فهو نصب الدليل على غير المدعى ، وعن الثالث بالمنع من صحة نسبته إلى النبي صلىاللهعليهوآله فان بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان الثوري فانه روي أن عمر بن عبدالله المعتزلي قال : إن بين الكفر والايمان منزلة بين المنزلتين ، فقالت عجوز : قال الله تعالى « هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن » (٥) فلم يجعل من عباده إلا الكافر والمؤمن ، فسمع سفيان كلامها فقال : عليكم بدين العجائز ، على أنه لو سلم فالمراد به التفويض إلى الله تعالى في قضائه وحكمه والانقياد له في أمره ونهيه.
____________________
(١) غافر : ٥.
(٢) النحل : ١٢٥.
(٣) الروم : ٨ وتمامه : ما خلق الله السموات والارض وما بينهما الا بالحق.
(٤) آل عمران : ١٩١.
(٥) التغابن : ٢.