والجواب المنع من اتحاد الدينين في الايتين ، فلا يتكرر الوسط ، ولو سلم اتحادهما فلا نسلم أن الايمان هو الاسلام ، ليكون هو الدين فيعتبر فيه الطاعات لم لايجوز أن يكون الايمان شرطا للاسلام أو جزءا منه أو بالعكس ، وشرط الشئ وجزؤه يقبل مع كونه غيره ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الايمان هو الدين بل شرطه أو جزؤه ، على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالاية الكريمة إنما تدل على أن من ابتغى وطلب غير دين الاسلام دينا له ، فلن يقبل منه ذلك المطلوب ، ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه ، لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الاسلام ، إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه ، لعدم المنافاة بينهما ، فإن الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمالا وتقصيرا ولا يخرج بذلك عن ابتغائهما.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : « وما كان الله ليضيع إيمانكم » (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، واعترض عليه بأنه لم لايجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلاة ، سلمنا ذلك لكن لا دلالة لهم في الاية ، وذلك لانهم زعموا أن الايمان جميع الطاعات ، والصلاة إنما هي جزؤ من الطاعات ، وجزؤ الشئ لا يكون ذلك الشئ.
وأما أهل الرابع ، وهم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات وترك المحظورات ، دون النوافل ، فقد يستدل لهم بقوله تعالى : « إنما يقتبل الله من المتقين » (٢) والتقوى لايتحقق إلا بفعل المأمور به ، وترك المنهي عنه ، فلا يكون التصديق مقبولا ما لم يحصل التقوى ، وبما روي أن الزاني لايزني وهو مؤمن ، وبقوله عليهالسلام : لا إيمان لمن لا أمانة له ، وبقوله تعالى : « ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون » (٣) وقد لايحكم بما أنزل الله أو يحكم بما لم
____________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) المائدة : ٢٧.
(٣) المائدة : ٤٧.